المحكمة العليا
بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
(( دوائر المحكمة مجتمعة ))
بجلستها المنعقدة علناً صباح يوم الخميس 11 / ربيع الثاني الموافق 19 / 5 / 2005 م بمقر المحكمة العليا بمدينة طرابلس .
برئاسة المستشار الأستاذ / حسين مختار البوعيشي ” رئيس المحكمة “
وعضوية المستشارين الأساتذة :- أحمد الطاهر الزاوي – محمود أحمد مرسي – علي سالم العلوص – سالم خليفة النعـاجي – يوسف مولود الحنيش – فتحي عريبي دهان -عبدالحفيظ عبدالدائم الشريف – محمد أبراهيم الورفلـــي – فرج يوسف الصلابي – سعيد علي يوسف – المقطــوف بلعيد أشكـــال – عزام علي الديب / جمعة صالح الفيتوري – الطاهر خليفة الواعر – علي مختــــار الصقــــــــــر – صالح عبدالقادر أبوزيد – أحمد السنوسي الضبيع – محمد عبدالســلام العيان – د.جمعــــة محمود الزريقي – الشريف علي الأزهري – المبروك عبدالله الفاخري – د.سعد سالم العسبلي .
وبحضور المحامي العام
بنيابة النقض الأستاذ / جبريل الفيتوري بن صالح .
ومسجل المحكمة الأخ / جمعة محمد الأشهر .
أصدرت الحكم الآتي
في الطلب المعروض بالطعن المدني رقم 398 / 47 ق
بشأن تحديد المحكمة المختصة بدعوى الاختصاص بالتعويض عن إصابة العمل بسبب مخالفة رب العمل لأحكام قانون الأمن الصناعي والسلامة العمالية
بعد الإطلاع على الأوراق وتلاوة تقرير التلخيص وسماع رأي نيابة النقض وبعد المداولة .
الوقائع
أقام المطعون ضدهم الدعوى رقم 289 لسنة 1995م أمام محكمة جنوب طرابلس الإبتدائية على شركة البريقة لتسويق النفط ” الطاعنة ” وأخرين قائلين في بيانها :- أن مورثيهم – والدتهم – كانت تعمل لدى الشركة المدعى عليها منذ تاريخ 1/12/1987م ، وبتاريخ 6/2/1989م وبتقصير من الشركة المدعى عليها الأولى في أتخاذ إجراءات الأمن الصناعي أصيبت بإصابة عمل أثناء قيامها بأعمال وظيفتها وبسببها نشأ عنها بتر ساقيها وعانت من المرض حتى توفيت بتاريخ 5/3/1992م ، وأظهر تابعوا الشركة المدعى عليها الأولى اهمالاً كبيراً في علاجها وطلبوا إلزام المدعي عليهما بأن يدفعا لهم مبلغ مائة ألف دينار جبراً للضررين المادي والمعنوي الي لحقهم من جراء وفاة مورثتهم نتيجة إصابة العمل ، وقضت المحكمة بإلزام المدعي عليه الأول بمبلغ قدره أربعون ألف دينار للمدعي بصفته تعويضاً شاملاً عن الضرر المادي والأدبي الذي أصاب القاصرين بسبب وفاة مورثتهما ومبلغ عشرة آلاف دينار لكل واحد من المدعيين الثاني والثالث تعويضاً عن الضرر الأدبي بسبب وفاة والدتهما وبرفض ما زاد عن ذلك فتأنفت الشركة الطاعنة هذا الحكم أمام محكمة إستئناف طرابلس التي قضت بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف .
قرر محامي الشركة الطاعنة الطعن في هذا الحكم بطريق النقض وقيد طعنها تحت رقم 398/47ق ناعيه عليه بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب ذلك أن المحكمة المطعون في حكمها لم تثبت خطأ الشركة الطاعنة وأن الوفاة كانت بسبب العمل ولم ترد على الدفاع بالتقادم وأنها قضت بالتعويض عن الضررين المادي والمعنوي والأدبي دون بيان عناصرها .
تحدد لنظر الطعن جلسة 19/12/2004م الدائرة الرابعة المدنية وحجز للحكم بجلسة 2/1/2005م وتبين أثناء المداولة أنه صدر عن هذه المحكمة حكم بتاريخ 7/5/2001م في الطعن المدني رقم 395/43ق والذي قرر أن دعوى التعويض عن إصابة العمل التي تحدث للعمال نتيجة التقصير في إتخاذ إجراءات الأمن الصناعي والسلامة العمالية تختص بها المحكمة الإبتدائية لأن قانون الأمن الصناعي والسلامة العمالية يعاقب رب العمل ليس على الإصابة التي تحدث للعامل وإنما على مخالفة أحكامه حتى في حالة عدم وقوع إصابات بالعاملين معه ، في حين قرر الحكم الصادر في الطعن المدني رقم 196/45ق الصادر بتاريخ 9/4/2003م وغيره من المبادئ التي صدرت بعده أن دعوى التعويض عن إصابة العمل نتيجة تقصير رب العمل في إتخاذ إجراءات الأمن الصناعي والسلامة العمالية تختص بنظرها المحكمة الجزئية اختصاصاً استثنائياً وفقاً للفقرة الرابعة من المادة 43 من قانون المرافعات مما ترتب عليه وجود تعارض بين هذين الاتجاهين ، فقررت الدائرة المدنية الرابعة إحالة الدعوى إلى الدوائر المجتمعة لرفع هذا التعارض وطلبت العدول عن المبدأ الذي قرر أن دعوى التعويض عن إصابة العمل الناتجة عن تقصير رب العمل في إتخاذ إجراءات الأمن الصناعي والسلامة العمالية هو من إختصاص المحكمة الإبتدائية وفقاً للقواعد العامة والالتزام بالمبادئ التي أن دعوى التعويض عن هذه الإصابات تختص بها المحكمة الجزئية اختصاصاً استثنائياً مهما بلغت قيمة الدعوى وفقاً للفقرة الرابعة للمادة 43 من قانون المرافعات . قدمت نيابة النقض مذكرة برأيها انتهت فيها إلى الأخذ بالمبدأ الذي يقرر أن دعوى التعويض عن إصابة العامل هو إختصاص جزئي وبالجلسة المحددة لنظر الطلب أصرت على رأيها .
الأسباب
حيث إن المادة 1 من القانون رقم 93 لسنة 1979م بشأن الأمن الصناعي والسلامة العمالية تنص على أن : ” يلتزم صاحب العمل أياً كان مجال نشاطه باتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة لحماية عماله ومن يتواجد منهم أو من الغير في أماكن العمل من أخطار العمل وأضراره ، والأمراض التي تنشأ عنه ، وذلك وفقاً للأحكام المبنية في هذا القانون ” وتنص المادة 2 من ذات القانون على أن : ” على صاحب العمل الذي تقتضي صناعته أو مهنته إستخدام آلات أو أدوات تعرض من يستخدمها أو يقترب منها للإصابة بمختلف درجاتها ، أن يتخذ أدوات تعرض من يستخدمها أو يقترب منها للإصابة بمختلف درجاتها ، أن يتخذ جميع الإحتياطات الكفيلة بدرء أخطار هذه الآلات أو الأدوات سواء ما تعلق من هذه الإحتياطات بتحقيق سلامة العامل الذاتية أو تحقيق الأمان في مكان العمل ويكون ذلك بتوفير وسائل الوقاية التي تتخذ وفقاً للأصول والمواصفات الفنية ” وتنص المادة 19 منه على أنه : ” مع عدم الأخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون العقوبات أو أي قانون آخر يعاقب على مخالفة أحكام هذا القانون بالحبس مدة لا تزيد على سنة وغرامة لا تقل عن مائتي دينار ، أو بإحدى هاتين العقوبتين ، فإذا ترتب على وقوع المخالفة إصابة أحد العاملين بالمنشأة أو أحد المتواجدين بها كانت العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين ، وغرامة لا تقل عن خمسمائة دينار أو بأحدى هاتين العقوبتين ، فإذا أدت الإصابة إلى الوفاة كانت العقوبة الحبس ” .
ومفاد هذه النصوص أن إصابة العمل التي تلحق العامل نتيجة تقصير صاحب العمل في إتخاذ الإحتياطات اللازمة لحماية العمال من أخطار العمل تعتبر جنحة وفقاً لنص المادة 59 من قانون العقوبات ، حيث أن المادة 43 من قانون المرافعات تنص على إختصاص المحكمة الجزئية بالحكم في بعض الدعاوى مهما تكن قيمتها ، ومن بينها دعاوى التعويض عن إرتكاب جنحة أو مخالفة مما يدخل في الإختصاص الجنائي للمحكمة نفسها ، فإن مؤدي ذلك أن الإختصاص بنظر دعوى التعويض عن الضرر الذي يصيب العامل بسبب مخالفة رب العمل لأحكام قانون الأمن الصناعي والسلامة العمالية ينعقد للمحكمة الجزئية مهما تكن قيمة الدعوى .
فلهذه الأسباب
قررت المحكمة بدوائرها المجتمعة العدول عن المبدأ الذي قرره الحكم الصادر في الطعن المدني رقم 395/43 ق بأن الإختصاص بالتعويض عن إصابة العمل بسبب مخالفة رب العمل لأحكام قانون الأمن الصناعي والسلامة العمالية ينعقد للمحكمة الإبتدائية ، والأخذ بالمبدأ الذي قرره الحكم الصادر في الطعن المدني رقم 196/45 ق من أن الإختصاص في هذه الحالة ينعقد للمحكمة الجزئية .
المستشار
حسين مختار البوعيشي
رئيس المحكمة