المحكمة العليا
بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
دائرة النقض الجنائي
بالجلســـة المنعقدة علناً صبـــــاح يوم الأربعاء 9 شعبــان 1401 من وفاة الرسول الموافق 12/2/1992م، بمقر المحكمة العليا بمدينة طرابلس .
برئـاســـة المستشـــــار الأستاذ : عبد السلام فرج أبو طــــلاق ( رئيس الدائرة )
وعضوية المستشارين الأساتذة : محمــود أحمـــــــد مرســــى
: عــــــوض رحيــل النعــــاس
: أحمـــد محمـــــد بن الأميــــن
: عبد الحفيظ عبد الدائم الشريف
وبحضور رئيس النيابة الأستاذ : ادريــــس الـــزوي
ومسجل المحكمــــــــــــة الأخ : محمد عمر أبو عـزه
أصدرت الحكم الآتي /
في قضية الطعن الجنائي رقم364/ 36 ق
المقــــدم من :
1- هيمــا يكو فابانا
2- كوتسينا كانسكـا
3- كـوتـافيش كـاتا
4- علي بشير بن غشير / مدعي بالحق المدني
ضــــــــــد : النيابـــــــــــــــــة العـامــــــــــــــــــــــــــــــــة
هيمــا يكو فابانا – كوتسينا كانسكـا – كـوتـافيش كـاتا
من الحكم الصادر من محكمة مصراتة الابتدائية ( دائرة الجنح والمخالفات المستأنفة )
الموافــــــــــــــــــــــــق 15-3-1979 م .
بعد تــــــلاوة تقـرير التلخيص ، وسمـاع المرافعة ، والاطلاع على الأوراق ، والمداولة قانونــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاً .
( الوقائــــــــــــع )
اتهمت النيابة العامة الطاعنات لأنهن بتاريخ 12/6/1988م، بدائرة فرع الأمن الشعبي مصراتة :
المتهمات جميعهن :
باعتبـــارهن عاملات بقسم الأطفال بمستشفى مصراتة التعليمي لهن صلة بالمريض المجني عليه ( أبو بكر علي بن غشير ) لم يقمن بواجبــات العمل على نحو يكفل راحة المريض ، وتحقيق العناية به ، وإتباع التعليمات الصادرة بالخصوص فالأولى والثانية لم يكشفا على المجني عليه المذكور لتفقد وضعه المرضي ، ولم يحضرن لعلاجه لدى علمهم بتطور وصعه المرضي إلى الأسوأ ، ولم يتخذن أي إجراء من إجراءات الإغاثة عند وجوده في حالة وفاة .
والثـالثة والرابعة لم يتبعى التعليمات الصادرة بالخصوص إزاء حالة المجني عليه المرضية ، وذلك على النحو المبين بالأوراق .
الثانيــة وحــدها :
وصفت علاجاً للمجني عليه المذكور دون أن تجري عليه كشف بأن طلبت من الممرضة حقن المجني عليه بحقن مهدئة للحرارة دون أن تكشف على المريض المجني عليه المذكور.
الأولـــــــــى :
بتحريض من الثانية قامت بتحرير تقرير طبي مخالفاً للحقيقة بأن كتبت التقرير الطبي المرفق بالأوراق عن واقعة وفاة المجني عليه المذكور أثبتت فيه أنها تابعت حالة المريض واتخـــذت كافة الوسائل لعلاجه وانعـاشه مع علمها بكذب هذه الوقائع وعدم مطابقتها للواقع ، حالة كون المتهمة الثانية شريكة لها بالتحريض ، وذلك على النحو المبين بالأوراق .
وطلبت من دائرة الجنح والمخالفات المستأنفة بمحكمة مصراتة الجزئية معاقبتهن بمقتضى المواد 3 / ب ، ج ، 6/5 ، و 35 ، 36 من القانون رقم 17/86 بشأن المسئولية الطبية .
والمحكمة المذكورة بعد أن نظرت الدعوى أصدرت فيها الحكم الآتي :
حكمت المحكمة حضورياً للأولى ، والثانيــة ، والثالثــة ، وحضورياً اعتبـــــارياً للرابعة .
أولاً :
في الشق الجنائـــي :
بمعاقبة المتهمات جميعاً عن التهمة الأولى بالحبس لمدة خمسة شهور وبمعاقبة المتهمة الثانية بالحبس لمدة أربعة شهور عن التهمة الثانية ، وبمعاقبة المتهمة الأولى والثانية بالحبس مع الشغل لمدة سنة ، وبغرامة خمسمائة دينارا لكل واحدة عن التهمة الثالثة وبلا مصاريف جنائية .
ثــانيــاً :
في الشق المدني :
بإلزام المدعي عليهن متضامنات بدفع مبلغ ثلاثون ألف دينارا عن الأضرار المادية والمعنوية للمدعي بالحق المدني ( علي بشير بن غشير ) وإلزامهن بالمصاريف المناسبة .
ولما لم يرتضى المحكوم عليهن والمدعي المدني بهذا الحكم فقد استأنفوه أمام ( دائرة الجنح والمخالفات المستأنفة ) بمحكمة مصراتة الابتدائية التي أصدرت الحكم الآتي :
حكمت المحكمة حضورياً :
أولاً :
في الدعوى الجنائيـــــــة :
بقبول الاستئناف ، وفي الموضوع برفضه ، وتأييد الحكم المستأنف ، وبلا مصاريف جنائية .
ثــانيــاً :
بإلغاء الحكم المستأنف ، والقضاء بعدم قبول دخول المدعي بالحق المدني ، مع إلزامه بمصاريف دخوله ( وهذا هو الحكم المطعون فيه ) .
( إجراءات الطعن )
صـدر الحكم المطعون فيه بتاريخ 15/3/1979م، وبتاريخ 19/3/1979م ، طعنت المحكوم عليهن في الحكم بطريق النقض بموجب تقارير لدى قلم كتاب المحكمة المطعون في حكمها ، وبتاريخ 15/4/1979م أودع محامي الطاعنة ( كرستينا كانسكا ) لدى قلم كتاب نيابة مصراتة الكلية مذكرة موقعة منه بأسباب الطعن .
ولـــم تـــودع بـاقي الطاعنــــات أسبــــاب لطعونهـــــن .
وبتاريخ 27/3/1979م ، طعن المدعي بالحق في الحكم بطريق النقض بموجب تقرير لدى قلم كتاب المحكمة المطعون في حكمها ، ولم يودع أسباباً بطعنه قدمت نيابة النقض مذكرة برأيها القانوني في الطعون انتهت فيها إلى الرأي بقبول طعن الطاعنة ( كرستينا كانسكا ) شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه مع إعادة الدعوى إلى محكمة مصراتة الابتدائية ( دائرة الجنح والمخالفات المستأنفة ) لنظرها مجدداً من هيئة أخرى بالنسبة لجميع المحكوم عليهن وبالجلسة عدلت النيابة عن هذا الرأي إلى الرأي الآتي :
أولاً :
بقبول طعن الطاعن الثانية شكلاً ، وفي الموضوع برفضـــــه .
ثانيــــــاً :
بعـدم قبول الطعون المقدمـة من كل من المدعـي بالحـق المدني والطاعنـة الأولى والثالثة شكلاً .
وبعد أن وضع المستشار المقرر تقريراً عن الطعن حددت لنظره جلسة 11/12/1991م حيث نظرت الدعوى على النحو المبين بمحضرها ثم حجزت للحكم بجلسة اليوم .
( الأسباب )
من حيث أن الطعن المرفوع من الطاعنة ( كرستينا كانسكا ) قد حاز أوضاعه القانونية فهو مقبول شكلاً .
وحيث أن باقي الطاعنين وأن قرروا بالطعن في الميعاد القانوني إلا أنهم لم يقدموا أسباباً لطعونهم مما يجعلها غير مقبولة شكلاً .
وحيث أن الطاعنة ( كرستينا كانسكا ) تنعى على الحكم المطعون فيه بالوجوه الآتية :
الوجـــــــه الأول :
الخطأ في تطبيق القانون ، وتفسيره وتأويله :
ومفاد ذلك أن محامي الطاعنة دفع أمام المحكمة المطعون في حكمها بأنه لا يجوز أن تنظر الدعوى ، أو تحدد مسئولية المتهم في أي واقعة ( من ) الوقائع التي تنص عليها قانون المسئولية الطبية رقم 17 لسنة ( 86 م ) إلا بعد أن يحال الأمر إلى مجلس طبي يتبع أمانة الصحة ويتكون من عدد من ذوي التخصصات العلمية في المهن الطبية والمهن المرتبطة بها لتقرير مدى قيام المسئولية الطبية من عدمه تجاه من يرتكب أي مخالفة لأي نص في القانون المذكور ، إلا أن المحكمة المطعون في حكمها قد ردت على هذا الدفع بقولها : ( أن ما صدر من المتهمات لا يحتاج إلى رأي فني وأن الجرائم المنسوبة لهن من الجرائم العادية وهي مخالفات لمقتضيات المهنة والعمل ولا مجال فيها للظن والاحتمال ، كما أنها تثبت وفقاً لطرق الإثبات العامة وهي من قبيل التقصير في أداء الواجب الطبي ) وهذا الذي ذهبت إليه المحكمة المطعون في حكمها مخالف لنص المادة 27 من القانون المذكور التي اشترطت لتقرير قيام المسئولية الطبية من عدمها إحالة الأمر إلى مجلس طبي ولم تفرق بين ما يعد مخالفات لمقتضيات المهنة ولا ما هو فني بل جاءت عامة الأمر الذي يعيب الحكم المطعون فيه ويوجب نقضه .
وحيث أن المـــادة 27 من القانون رقـــم 17/86م ، بشـأن المسئولية الطبية تنص على أن ( يختص بتقرير مدى قيام المسئولية الطبية مجلس طبي يتبع أمانة الصحة ويتكون من عدد من ذوي التخصصات العالية …….. الخ .
وحيث أن المستفاد من نص المادة 27 من القانون رقم 17/86م ، بشأن المسئولية الطبية المذكور أن اختصاص المجلس الطبي بشأن تقرير مدى قيام المسئولية قاصر على الدعوى التأديبية دون الدعوى الجنائية التي يظل تقرير مدى قيام المسئولية الجنائية عنها خاضعاً لسلطة محكمة الموضوع تحكم فيها بالدليل الذي تطمئن إليه ، وحسب العقيدة التي تكونت لديها بكامل حريتها ، ولا يشترط في هذا الشأن أن يعرض موضوع الدعوى على المجلس المذكور ، ويؤيد ذلك أن المشرع لم يذكر قانون الإجراءات الجنائية ضمن القوانين التي أوردها في ديباجة قانون المسئولية الطبية المشار إليه ، كما أن المواد التالية للمادة 27 من القانون المذكور تتعلق بتشكيل المحكمة المهنية التي تتولى محاكمة من يخالف هذا القانون تأديبياً ، وكذلك الأحكام التي تسري على الدعوى التأديبية التي ترفع أمامها .
لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص إلي هذه النتيجة فأنه يكون بمنأى عما رمته به الطاعنة من عيب مخالفة القانون والخطأ في تأويله ، مما يجعل هذا الوجه من النعي في غير محله متعين الرفض .
الوجـــه الثــــــاني :
القصور في التسبيب :
لقد أعتبر الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه الطاعنة شريكة بالتحريض مع المتهمة الأولى بالنسبة للمتهمة الثالثة ، المتمثلة في كتابة تقرير مزور مخالف للحقيقة ، ودان الطاعنة على هذا الأساس دون أن يورد نص المادتين 100 ، 101 من قانون العقوبات حيث حددت المادة 100 عقوبات ، طرق الاشتراك ، وبينت المادة 101 عقوبة الشريك ، وحيث أن قضاء المحكمة العليا قد استقر على أن خلو الحكم من ذكر النص القانوني الذي أنزل بموجبه العقاب على الطاعنة فأن الحكم يكون مشوباً بالبطلان متعين النقص .
كما أنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه وحكم أول درجة المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه نجد أنه عند تبريره للعقوبة المقضي بها نجد أنه استند على مجرد أقوال أنشاها وأوردها في عبارات عامة ومبهمة لا يستفاد منها ما قصده المشرع من استظهار الحكم للعناصر المشار إليها في المادة 28 عقوبات ، أو المتوفر منها في الواقعة ، والتي كان لها الأثر المباشر في تقدير العقوبة ، وبالتالي فإن الحكم المطعون فيه يكون قد شابه القصور في التسبيب بما يجعله باطلاً .
وحيث يتبين من الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أنه أدان الطاعنة عن جريمة الاشتراك بالتحريض في جريمة تحرير تقرير طبي مخالف للحقيقة ، وعاقبها بمقتضي مواد الاتهام والمادتين 100،101 من القانون العقوبات .
لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه لا مانع من أن يتخذ الحكم الاستئنافي أسباب الحكم الابتدائي لما قضي به ، وعنده تكون هذه كأنها جزء من الحكم الاستئنافي ، وكان الحكم الابتدائي قد استوفي البيانات التي تقول الطاعنة أن الحكم الاستئنافي لم يشتمل عليها فأن ما تثيره الطاعنة في هذا الشأن لا يكون سديداً .
لما كان ذلك ، وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه في معرض تبريره للعقوبة المقضي بها قد أورد قوله :
وحيث أن الجريمة من قبل المتهمات تدل على عدم احترامهن للقوانين واللوائح والواجب الطبي الملقي على عاتقهن ، ولما لذلك من نتائج سيئة على الفرد والمجتمع وكان هذا الذي أورده الحكم في سبيل تبرير العقوبة التي أوقعها على الطاعنة يعد تبريراً وافياً لأنه يتضمن في غير غموض أو إبهام بعض العناصر المقررة في المادة 28 من قانون العقوبات ليستهدي بها القاضي عند تقديره للعقوبة وهي عناصر يتعرف بها على خطورة الجريمة ونزعة الجاني إلى الإجرام ، حيث استهدى الحكم في تقديره للعقوبة بطبيعة الفعل وأثاره الأمر الذي يكون معه نعي الطاعنة بقصور الحكم في شأن بيان الأسباب المبررة لتقدير العقوبة الموقعة عليها في غير محله .
الــوجــه الثــالث :
الفســــاد في الاستـــدلال :
ذلك أن المحكمة المطعون في حكمها دانت الطاعنة بجريمة الاشتراك بالتحريض في كتابة تقرير طبي مزور ، وبمطالعة محاضر جلسات محاكمة الطاعنة يبين أن التقرير المذكور لم يعرض بجلسة المحاكمة ، وكان من المقرر كإجراء من إجراءات المحاكمة في جرائم التزوير عرض الأوراق على المحكمة باعتبارها من أدلة الجريمة في حضور الخصوم لبحثها ومناقشتها بالجلسة لإبداء الرأي حولها ، والاطمئنان إلى أنها موضوع الجريمة ، وتدور حولها المرافعة ، وبما أن المحكمة المطعون في حكمها لم تفعل فأن حكمها يكون معيباً متعين النقض .
وحيث يبين من أوراق الدعوى ، أن ملف المجني عليه بكامله مرفق بها ، وهو يحتوي علي التقرير المؤرخ في 12/6/88م، المدعي باشتراك الطاعنة في تزويره بالإضافة إلى صورة أشعة ، وتقارير طبية وإدارية أخرى وشهادة التبليغ عن الوفاة كما أشارت النيابة العامة في قرار الاتهام إلى أن التقرير المذكور مرفق بالأوراق ، كل ذلك مما يعني أن التقرير المذكور كان معروضاً على بساط البحث أمام المحكمة المطعون في حكمها ، ولم تحاول الطاعنة لدى المحكمة المذكورة بخلاف ذلك ، الأمر الذي يجعل نعيها في هذا الشأن لا سند له ويتعين رفضه .
وحيث أنه متى كان ذلك ، كانت مناعي الطاعنة برمتها ، على غير أساس يتعين رفض موضوعها .
( فلهذه الأسبـــاب )
حكمت المحكمة بقبول طعن الطاعنة ( كرستينا كانسكا ) شكلاً وفي الموضوع برفضه ، وبعدم قبول طعون باقي الطاعنين شكلاً مع إلزام المدعي بالحق بمصروفات طعنه .
محمد عمر أبو عزه عبد السلام فرج أبو طلاق
مسجل المحكمة العليا الرئيــــــــــــــس