طعن جنائي رقم 2724-57 ق
بالجلسة المنعقدة عــلناً صباح يـــوم الـــثلاثاء 10 رجب 1439هـ
المـوافق 27/3/2018م بـمـــقـر المحكمة العليا بمـدينة طـرابـلس .
برئــاسة المســتشار الأســـــتاذ :- رجب أبوراوي عـقيل
وعضوية المستشارين الأسـاتذة :ـ أبوبكر محــمد العـــباني .
د.موسى الشتيوى النايض .
عـــاشور نصـر ســــالم .
عبد الله محمد ابو رزيزة .
وبحضور المحامى العام
بنـيابـة النقـض الأســــــتاذ :- إبراهـــيم رمضـــان .
ومســـجل الدائـرة الســـــيد:- عــبد الرؤوف محــمد .
.
المبادئ :
رجوع المحكمة العليا في حكم أصدرته – خروج عن الأصل العام – أساسه ومتى يكون وشروطه – بيان ذلك
[ ل ولئن كان من المقرر أن الأصل في نظام التقاضي أنه بمجرد صدور الحكم تستنفذ المحكمة ولايتها بنظر الدعوى إزاء الجزء الذي فصلت فيه ، فلا تملك الرجوع في الحكم أو تعديله ، إلاّ أنه وخروجا عن هذا الأصل فإن المحكمة إذا تعلّق الأمر بشكل الطعن أن تعدل عن حكمها في هذه الخصوصية دون غيرها إذا ما رأت أن العدالة تقتضي منها ذلك حتى لا يضار الطاعن بسبب لا دخل لإرادته فيه ، أي أنه لكي يكون للمحكمة أن تعدل عن حكم أصدرته يجب أن يتوفر شرطان ، الأول : أن يكون الحكم فيما قضى به قد بني على عدم استيفاء إجراءات الطعن التي أوجب القانون ضرورة استيفائها ، ثم يثبت بعد ذلك أن تلك الإجراءات جميعها كانت قد استوفيت لكنها لم تعرض كاملة على المحكمة أثناء نظرها الطعن ، الثاني : ألاّ يكون للطاعن دخل ولا يد في الأسباب التي حالت دون عرض الإجراءات المستوفاة على المحكمة مما جعلها تقضي في الشكل بعدم استيفاء إجراءات الطعن المقررة قانوناً– وهذا الاستثناء الخارج عن الأصل يجب قصره في نطاق ما ذكر وألاّ يُتوسّع فيه ]
جريمة استيفاء الحق بالذات – تعريفها – بيان ذلك
من المقرر أن المناط في قيام جريمة استيفاء الحق بالذات المنصوص عليها في المادة 287 من قانون العقوبات هو انتزاع الجاني بيده حقا مزعوما في شيء ما باستعمال العنف ضد الأشياء دون الرجوع إلى المطالبة به عن طريق الجهات القضائية ، وكان من المقرر أيضا أنه يتعين على محكمة الموضوع وهي تقضي بالإدانة أن تقيم الدليل على توافر أركان الجريمة وعناصرها القانونية دون لبس ولا غموض ، وأن ترد الدفوع الجوهرية التي يثيرها المتهم أمامها .
بعد الاطلاع على الأوراق ، وتلاوة تقرير التلخيص ، وسماع المرافعة الشفوية ورأي نيابة النقض ، والمداولة قانونا .
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين لأنهم بتاريخ 24-12-2007م بدائرة مركز شرطة المردوم :
كان بإمكانهم الرجوع إلى السلطة القضائية للحصول على حق مزعوم وانتزعوا ذلك الحق بأيديهم ، بأن قاموا بحرث الأرض المملوكة على الشيوع بين أفراد قبيلة البدور الواقعة بوادي غبين والرعي فيها ، حالة كون الأرض محل الشكوى يوجد بشأنها نزاع منظور أمام محكمة المردوم الجزئية بالدعوى رقم 2 لسنة 2007 جزئي مدني ، وارتكب الفعل بعد اللجوء إلى القضاء وقبل النطق بالحكم – على النحو المبين بالأوراق – وطلبت من محكمة المردوم الجزئية معاقبتهم بمقتضى المادتين 287/1 ، 288/1 من قانون العقوبات ، والمحكمة المذكورة قضت حضورياً للطاعنين وحضورياً للباقين وغيابياً للسادس بمعاقبتهم بتغريم كل واحد منهم ثمانين ديناراً عما نسب إليه وبلا مصاريف جنائية ، فاستأنف الطاعنان هذا الحكم أمام محكمة بني وليد الابتدائية – دائرة الجنح والمخالفات المستأنفة التي قضت حضورياً بقبول الاستئنافين شكلا وفي الموضوع برفضهما وتأييد الحكم المستأنف ، وذلك في جلستها بتاريخ 26-6-2010م ، فقرر المحكوم عليهما الطعن فيه بطريق النقض وسجل رقم الطعن بذات الرقم الحالي وقضت الدائرة الجنائية بالمحكمة العليا في جلستها بتاريخ 17-8-2016م بعدم قبول الطعنين شكلاً وتغريم كل واحد من الطاعنين خمسة دنانير وذلك لعدم إيداعهما كفالة الطعنين .
في 31-1-2018م عرض على هذه الدائرة مذكرة من النائب العام بتأشيرة من الأستاذ رئيس المحكمة ومضمون هذه المذكرة أن محامي الطاعنين يلتمس إعادة النظر في الحكم الصادر بعدم قبول طعنيهما شكلاً المؤسس على عدم إيداع كفالة الطعنين وفقاً لما تنص عليه المادة 388 من قانون الإجراءات الجنائية ، في حين أن تلك الكفالة قد تم إيداعها قبل نظر الطعنين ، وحيث إنه بغض النظر عما جاء بالمذكرة المنوه عنها المرفقة من مكتب النائب العام وعما جاء بطلب محامي الطاعنين بإعادة النظر في الحكم وفقاً لنص المادة 402 من قانون الإجراءات الجنائية وما يليها من نصوص فذلك غير سديد ولا تنطبق هذه الحالة محل البحث ، وإنما ينطبق بشأنها ما أقرته المحكمة العليا من إمكانية الرجوع عن حكم سابق إذا توافرت شروط ذلك الرجوع.
الإجراءات
حددت جلسة 20-2-2018م لنظر الطلب ، وتلي تقرير التلخيص ، ونظر الطعن على النحو المثبت بمحضر الجلسة ، ثم حجزت للحكم بجلسة اليوم .
الأسباب
حيث إنه سبق لهذه المحكمة أن قضت في جلستها بتاريخ 17-8-2016م بعدم قبول طعني الطاعنين شكلاً المحكوم عليهما بالغرامة لعدم إيداع كفالة طعنيهما وفق ما تنص عليه المادة 388 من قانون الإجراءات الجنائية ، وجاء في طلب محامي الطاعنين أنهما قد سددا الكفالة وفق الإجراءات المنصوص عليها في المادة المذكورة في خزينة المحكمة مصدرة الحكم وقبل تاريخ الجلسة التي نظر فيها الطعنان ثم الفصل فيهما ، وتحقيقاً لهذا الطلب وبمراجعة الأوراق من طرف هذه المحكمة للوقوف على صحة ما جاء في الطلب ، فقد تبين لها أن الطاعنين قد سددا فعلاً كفالتي طعنيهما في الحكم الصادر بإدانتهما ومعاقبتهما بالغرامة في موضوع هذه الدعوى ، غير أن الإيصاليين الماليين الدّالين على تمام التسديد لم يكونا مدرجين بملف الطعن الذي يقوم بإعداده قلم التسجيل بهذه المحكمة على نحو ما يجري به العمل في طريقة تسجيل الطعون وعرضها على دوائرها ، وإنما كانا مثبتين في ملف آخر من أوراق الدعوى لا يُتوقّع عادة أن يكونا فيه ، كما يتبين أنهما مؤرخان في 15-8-2010م ومختومان بختم محكمة بني وليد الابتدائية يحمل الأول رقم مسلسل – 5570969 – باسم (….) ويحمل الآخر رقم مسلسل – 5570970 – باسم (….).
لما كان ذلك ولئن كان من المقرر أن الأصل في نظام التقاضي أنه بمجرد صدور الحكم تستنفذ المحكمة ولايتها بنظر الدعوى إزاء الجزء الذي فصلت فيه ، فلا تملك الرجوع في الحكم أو تعديله ، إلاّ أنه وخروجا عن هذا الأصل فإن المحكمة إذا تعلّق الأمر بشكل الطعن أن تعدل عن حكمها في هذه الخصوصية دون غيرها إذا ما رأت أن العدالة تقتضي منها ذلك حتى لا يضار الطاعن بسبب لا دخل لإرادته فيه ، أي أنه لكي يكون للمحكمة أن تعدل عن حكم أصدرته يجب أن يتوفر شرطان ، الأول : أن يكون الحكم فيما قضى به قد بني على عدم استيفاء إجراءات الطعن التي أوجب القانون ضرورة استيفائها ، ثم يثبت بعد ذلك أن تلك الإجراءات جميعها كانت قد استوفيت لكنها لم تعرض كاملة على المحكمة أثناء نظرها الطعن ، الثاني : ألاّ يكون للطاعن دخل ولا يد في الأسباب التي حالت دون عرض الإجراءات المستوفاة على المحكمة مما جعلها تقضي في الشكل بعدم استيفاء إجراءات الطعن المقررة قانوناً– وهذا الاستثناء الخارج عن الأصل يجب قصره في نطاق ما ذكر وألاّ يُتوسّع فيه .
وكان الطاعنان – وكما سلف البيان – قد ثبت أنهما قد أودعا الكفالة التي يشترط القانون سدادها لقبول طعنيهما ، وأن السبب الذي من أجله قضى بعدم قبول طعنيهما شكلاً لا يعود إليهما ، وحيث إن الحكم المطعون فيه قد صدر بتاريخ 26-6-2010م ، وبتاريخ 15-8-2010م قرر المحكوم عليهما الطعن فيه بطريق النقض لدى قلم كتاب المحكمة التي أصدرته ، وبذات التاريخ ولدى ذات الجهة أودع محاميهما مذكرة بأسباب الطعنين موقعة منه ، وقدمت نيابة النقض مذكرة برأيها انتهت فيها إلى قبول الطعنين شكلاً ونقض الحكم مع الإعادة ، وقد أحالت دائرة فحص الطعون الجنائية الملف إلى الدائرة المختصة ، ومن ثم فإن الطعنين قد استوفيا باقي ما يتطلبه القانون من شروط شكلية ، ويكون من المتعين الرجوع عن الحكم السابق صدوره من هذه المحكمة بجلسة 17-8-2016م القاضي بعدم قبول الطعنين شكلاً .
وحيث إن ما ينعى به الطاعنان على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال بمقولة إن الحكم المطعون فيه لم يستظهر أركان وعناصر الجريمة التي دين عنها الطاعنان وهي استيفاء الحق بالذات ، فحرثهما للأرض ورعيها لحيواناتهما فيها كان لقناعتهما التامة بأنها أرض أجدادهما وآبائهما وكانت من ضمن نصيبهما من كامل الأرض التي كانت مشتركة بينهما وبين أبناء عمومتهما بعد قسمتها منذ سنة 1950م وتم توثيق هذه القسمة كتابة في سنة 1990م وهو ما أكده شهود النفي ووثيقة القسمة المعروضة على المحكمة المطعون في قضائها ، وهذا الاعتقاد المعزز بالأدلة ينفى عنهما القصد الجنائي للجريمة المذكورة ، فالأرض محل النزاع خالصة لهما وأن المجني عليه من أبناء عمومتهما لهما نصيبهم في أرض أخرى مقابل ذلك ، ثم ان ما قاما به من حرث ورعي لا يتحقق به عنصر استعمال العنف ضد الأشياء ، كما أن المحكمة المطعون في قضائها لم تلتفت إلى ما جاء في مذكرة الاستئناف من أسباب ولم تبحثها وتناقشها وترد على دفوع الطاعنين من حيث إن عرض موضوع النزاع على المحكمة المدنية قد شطب ولم يعد له وجود ، ولم تناقش ما ثبت من قسمة مكتوبة بين طرفي النزاع ، ولم تول اهتماما بما ذكره شهود النفي من أن الطاعنين يستغلان الأرض محل النزاع منذ عشرات السنين ، مما يجعل الحكم قاصر البيان وبنى قضاءه على استدلال فاسد بما يوجب تقضه.
وحيث إن الحكم الجزئي المؤيد بالحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى أورد في معرض بيان عقيدة المحكمة في الدعوى قوله : (( … والمحكمة وهي بصدد تكوين عقيدتها في الدعوى … ترى أن التهمة المسندة للمتهمين بقرار الاتهام ثابتة في حقهم …. رغم إنكارهم لها من خلال ما ذكره المشتكي (….) في أقواله بمحضر ضبط الواقعة وشهادته أمام هذه المحكمة من أن المتهمين قاموا بالرعي في الأرض المملوكة على الشيوع بين أفراد قبلية البدور وكذلك قاموا بحرثها ، كما ذكر أنه طالب المتهمين بقسمة هذه الأرض أكثر من مرة لكنهم رفضوا واستمروا في استغلال الأرض في عمليات الرعي والحراثة ، وهي نفس الأقوال التي جاءت في شهادة المشتكين (….)،(….) أمام النيابة العامة ، ومما يؤكد قيام التهمة في حق المتهمين ما ذكره المتهم الأول وكذلك المتهم الثالث في أقوالهما من أنهما قاما باستغلال الأرض محل الشكوى في الحرث والرعي بعد إلغاء قرار الإيقاف الذي بموجبه كانت الأرض موقوفة عن الاستغلال ، فبدلاً من اللجوء إلى القضاء اتجها إلى استغلال الأرض دون الرجوع إلى الجهات القضائية ، بالرغم من أن هناك دعوى منظورة أمام القضاء وهي دعوى مقاسمة منظورة أمام الدائرة المدنية بمحكمة المردوم الجزئية تحت رقم 2/2007 مدني جزئي ، وبذلك تكون التهمة قد توافرت في حق المتهمين بركنيها المادي والمتمثل في قيام المتهمين بحرث الأرض والرعي فيها ، وكذلك الركن المعنوي المتمثل في اتجاه إرادتهم إلى إتيان السلوك المجرّم عن علم وإرادة ، الأمر الذي يتعين معه مساءلة المتهمين عن هذه التهمة ومعاقبتهم طبقا لنص المادة 287/1 عقوبات ..)) .
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد أيد الحكم الجزئي لأسبابه ثم قال: (( .. وحيث إن الاستئناف لم يأت بجديد يغير وجه الرأي في الدعوى ، الأمر الذي يتعين معه القضاء برفض الاستئناف موضوعاً)).
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المناط في قيام جريمة استيفاء الحق بالذات المنصوص عليها في المادة 287 من قانون العقوبات هو انتزاع الجاني بيده حقا مزعوما في شيء ما باستعمال العنف ضد الأشياء دون الرجوع إلى المطالبة به عن طريق الجهات القضائية ، وكان من المقرر أيضا أنه يتعين على محكمة الموضوع وهي تقضي بالإدانة أن تقيم الدليل على توافر أركان الجريمة وعناصرها القانونية دون لبس ولا غموض ، وأن ترد الدفوع الجوهرية التي يثيرها المتهم أمامها ، وكان ما أورده الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه لأسبابه – على النحو السالف إيراده – لا يكفي لاستظهار أركان جريمة استيفاء الحق بالذات المنصوص عليها في المادة السالفة الذكر وجاءت عباراته في هذا الشأن مرسلة ومشوبة بالإجمال ، كما لم يتناول الحكمان بالنقاش دفع الطاعنين أمام محكمة الموضوع بأنهما يمارسان حقهما المشروع في الأرض محل النزاع ولهما في ذلك وثيقة مقاسمة بينهما وبين المجني عليهم حررت سنة 1990م يملكان بموجبها تلك الأرض التي يستغلانها من وقت بعيد ، ووجدا على ذلك آبائهما وأجدادهما منذ سنة 1950م ولهما منشآت على هذه الأرض ، وشهد لهما بذلك شهود النفي ، وقد أكد على هذا الدفع في مذكرة الاستئناف التي اطلعت عليها هذه المحكمة تحقيقا لوجه الطعن وتبين لها شمولها لهذا الدفع الجوهري الذي التفتت المحكمة المطعون في حكمها ولم ترد عليه بما يدحضه – مما يجعل قول الحكم بأن ركني الجريمة المادي والمعنوي قد توافرت في حق الطاعنين يفتقرا إلى التدليل عليه ، أما وأن هذا هو حال الحكم فإنه يكون قاصر البيان وفاسد الاستدلال فيما انتهى ويكون من تم نعي الطاعنين عليه في محله بما يتعين معه نقضه مع الإعادة دون حاجة إلى مناقشة باقي أوجه النعي .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :
أولاً : بالرجوع عن الحكم السابق صدوره في هذا الطعن بتاريخ 17-8-2016م والقاضي بعدم قبول طعني الطاعنين شكلاً وتغريم كل واحد منهما خمسة دنانير .
ثانياً : بقبول الطعنين شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة الدعوى إلى محكمة بني وليد الابتدائية – دائرة الجنح والمخالفات المستأنفة – للفصل فيها مجدداً من هيئة أخرى .