بسم الله الرحمن الرحيم
ليبيا
المحكمة العليا باسم الشعب
دوائر المحكمة مجتمعة
بجلستها المنعقدة علنا صباح يوم الاثنين 20 صفر 1434 هـ الموافق 23 / 12 / 2013 ميلادية بمقر المحكمة العليا بمدينة طرابلس برئاسة المستشار الأستاذ : يوسف مولود الحنيش
وعضوية المستشارين الأستاذة :
محمد إبراهيم الورفلــــــــي عــــــــــــزام علــــــي الديب
صالح عبد القـــادر الصغير فوزي خليفـــــــــة العابـــــد
عبد السلام امحمد بحيــــح المبروك عبد الله الفاخـــــري
د / سعد سالم العسبلــــــي د / حميد محمد القماطـــــــي
فرج أحمــــــد معــــــــروف علي عمران التـــــــــــــواتي
د / نور الدين علي العكرمي بشير سعد الزيانـــــــــــــــــي
وبحضور المحامي العام
بناية النقض الأستاذ : أحمد الطاهر النعاس
وأمين سر الجلسـة : أسامة علي المدهوني
أصدرت الحكم الآتي
في الطعن الدستوري رقم 2 / 42 ق
طلب محال من محكمة الشعب ( سابقا ) ببنغازي بشأن عدم دستورية القانون رقم 25 لسنة 1423 في شأن تعديل أحكام القانون رقم 11 / 1992 بتقرير بعض الأحكام الخاصة بالملكية العقارية
المقدم من : س…. ص… ن ..
يمثلها المحامي : علي محمد أبو هدمة
ضـــــد 1) أمين اللجنة الشعبية العامة
2) الممثل القانوني لمصلحة الأملاك العامة
3) ع……. م … ج….
4) ع ……. ب ….. ج…….
بعد الاطلاع على الأوراق وتلاوة تقرير التلخيص وسماع المرافعة الشفوية ورأي نيابة النقض وبعد المداولة
الوقائع
أقامت المواطنة / س … ص… ن .. الدعوى رقم 119 / 1990 م أمام محكمة الشعب ـ بنغازي ـ مختصمة أمين اللجنة الشعبية سابقا والممثل القانوني لمصلحة الأملاك العامة بصفتيهما و ع….. م…. أ ….. ج….. و ع….. أ ….. ج….. ، قالت شارحة لها إنها تملك العقار ـ منزل ـ المبين الحدود والمعالم بالصحيفة ، ملكية مقدسة ولا تملك اسرتها سواه ، وأن المدعى عليهما الثالث والرابع قاما باقتحامه والإقامة فيه مستغلين غيبتهما خارج البلاد ، ومكنتهما من ذلك جهة الإدارة بالمخالفة لأحكام القانون رقم 4 لسنة 1978 م وتعديلاته وعندما تقدمت إلى الجهة المذكورة بطلب لرد عقارهما ثم رفضه ، فأقامت دعواهما للمطالبة بإلزام المدعى عليهم بإخلاء عقارها من شاعليه ورده إليها ، وأثناء نظر الدعوى صدر القانون رقم 25 لسنة 1992 بتقرير بعض الأحكام الخاصة بالملكية العقارية بحيث نصت المادة السابعة المعدلة على أنه : لا يجوز للمحاكم أن تحكم برد المساكن المملكة أو المخصصة للمواطنين بموجب أحكام القانون رقم 4 لسنة 1978 م وبوقف السير في نظر الدعاوى المتداولة أمامها وقت نفاذ هذا القانون ، كما نصت المادة السابعة مكرر المضافة على أنه : يحق لمالك البيت الوحيد وقطعة الأرض المعدة لبناء مسكن عليها والذي ملك أو خصص بالمخالفة لأحكام القانون رقم 4 لسنة 1978 اللجوء إلى محكمة الشعب للمطالبة بتعويض عادل عنه وبشروط
فتقدم دفاع المدعية أثناء نظر الدعوى أمام محكمة الشعب بمذكرة دفع فيها بعدم دستورية القانون رقم 25 لسنة 1423 سالف الذكر بمقولة أنه يخالف نص المادة الثانية من الإعلان الدستوري الصادر في 11 ديسمبر 1969 وكذلك أحكام القانون رقم 5 لسنة 1991 بشأن تطبيق ما كان يسمى بالوثيقة الخضراء لحقوق الإنسان والقانون رقم 20 لسنة 1991 بشأن تعزيز الحرية وانتهى في مذكرته إلى طلب إيقاف السير في الدعوى وإحالتها إلى المحكمة العليا للفصل في الدفع والمحكمة قررت ذلك
وهذا القرار هو موضوع الدعوى الدستورية
الإجراءات
صدر هذا القرار بتاريخ 16 / 4 / 1995 ، وبتاريخ 6 / 6 / 1995 أحال كبير كتاب محكمة الشعب فرع بنغازي ملف الدعوى إلى المحكمة العليا التي نظرت الدعوى بدوائرها مجتمعة بجلسة 18 / 10 / 1995م وقررت تأجيلها إلى جلسة مقبلة
قدمت نيابة النقض مذكرة ابدت فيها الراي بعدم قبول قرار الإحالة . وبجلسة 12 / 3 / 2006 م قررت المحكمة حجز الدعوى للحكم لجلسة 6 / 5 / 2006 م وفيها قررت إعادتها للمرافعة وإحالتها إلى نيابة النقض لإعداد مذكرة برأيها في الموضوع .
أودعت نيابة النقض مذكرة تكميلية خلصت فيها : أصليا إلى التمسك بمذكرتها السابقة واحتياطيا في الموضوع الحكم بعدم دستورية المادة السابعة من القانون رقم 11 لسنة 1992 م المعدلة بالقانون رقم 25 لسنة 1423 ( 1993 ) وبجلسة 29 / 6 / 2009 م أودعت مذكرة نيابة النقض مذكرة ثالثة انتهت فيها إلى الراي أصليا بعدم قبول الدفع الدستوري ولعدم المصلحة أو عدم قبوله لعدم جديته ، واحتياطيا رفضه .
توالت تأجيلات الدعوى إلى أن حدد لها جلسة 12 / 11 / 2013 وبها تلا المستشار المقرر تقرير التلخيص ، ونظرت على النحو المبين بمحاضرها ، وتمسكت نيابة النقض بمذكرتها السابقة ، والمحكمة قررت حجز الدعوى للحكم لجلسة اليوم .
الأسباب
حيث أنه عن شكل الدعوى فإن راي نيابة النقض بعدم قبول قرار الإحالة تأسيسا على أنه كان يتعين على المحكمة المثار أمامها الدفع بعدم الدستورية تكليف من أثار الدفع بمباشرة الدعوى الدستورية أمام المحكمة العليا دون أن تتولى هي إحالتها في غير محله ، ذلك أن المادة الثالثة والعشرون من القانون رقم 6 لسنة 1982 بإعادة تنظيم المحكمة العليا المعدلة بالقانون رقم 17 لسنة 1423 ( 1993 م ) تنص على أنه (( تختص المحكمة العليا دون منعقدة بدوائرها المجتمعة برئاسة رئيسها أو من يقوم مقامه بالفصل في المسائل الآتية ….. ثانيا : اية مسألة قانونية جوهرية تتعلق بالدستور أو بتفسيره تثار في قضية منظورة أمام أية محكمة ))
ولم يبين المشرع الإجراءات التي يمكن بواسطتها اتصال المحكمة العليا بالمسألة الدستورية المثارة ، ومن ثم فقد جرى العمل على قبول المسائل المحالة من قبل المحاكم المثارة أمامها ، إلى أن صدرت اللائحة الداخلية للمحكمة العليا بتاريخ 28 / 7 / 2004 ونظمت في مادتها التاسعة عشرة الإجراءات التي ترفع بها الدعوى للنظر في الدفع الدستوري المثار أمام المحاكم المدني ، ولما كانت إحالة الدعوى الراهنة قد تمت بقرار من محكمة الشعب بنغازي بتاريخ 16 / 4 / 1995 ، ونظرت لأول مرة بجلسة 18 / 10 / 1995 أي قبل صدور اللائحة سالفة الذكر فإن قرار إحالتها يكون صحيحا بما يتعين معه الالتفات عن هذا الرأي وتكون الدعوى الدستورية مقبولة شكلا .
وحيث تنعى المدعية على القانون رقم 25 لسنة 1423 ( 1993 ميلادية ) بشأن تعديل أحكام القانون رقم 11 لسنة 1992 بتقرير بعض الأحكام الخاصة بالملكية العقارية مخالفة النصوص الدستورية وعلى رأسها المادة الثانية من الإعلان الدستوري الصادر في 11 ديسمبر 1969 م وأحكام القانون رقم 5 لسنة 1991 بشأن تطبيق ما يسمى بالوثيقة الخضراء لحقوق الإنسان ، وكذلك أحكام القانون رقم 20 لسنة 1991 بشأن تعزيز الحرية بما يكون معه معيبا دستوريا متعين إلغاءه .
وحيث أن هذا النعي في مجمله سديد ، ذلك أن النصوص القانونية التي كانت تعتبر مرجعا دستوريا ـ زمن غياب الدستور ـ نصت على الملكية الخاصة واعتبرتها مصونة ولا يجوز المساس بها إلا لأغراض المصلحة العامة ، وكفلت للأفراد حق اللجوء إلى القضاء للدفاع عنها وذلك على النحو الوارد بالمبدأ ( 11 ) من الوثيقة المطبقة بموجب القانون رقم 5 لسنة 1991 حيث نص على أن الملكية الناتجة عن الجهد مقدسة مصانة لا تمس إلا للمصلحة العامة ولقاء تعويض عادل ، كما نص المبدأ 26 من ذات الوثيقة (( …… ولكل فرد الحق في اللجوء إلى القضاء لإنصافه من أي مساس بحقوقه وحرياته الواردة فيها )) ونصت المادة الأولى من القانون رقم 5 لسنة 1991 بأن : (( الملكية الخاصة مقدسة يحظر المساس بها إذا كانت ناتجة عن سبب مشروع ….))
كما حرصت كافة التشريعات والمواثيق الدولية على صيانة هذا الحق ومنع التعدي عليه ماديا أو قانونيا باعتباره من الحقوق الطبيعية للإنسان والمستمدة من تعاليم وقيم أخلاقية ودينية ، وقد حرص الإسلام على تقرير هذا الحق وحثت تعاليمه السمحاء وتطبيقاته على صون الملكية الفردية المكتسبة من المال الحلال ، فمنع التعدي عليها وشرع الحدود لصيانتها ومعاقبة المعتدى بأشد العقوبات في الدنيا والوعيد في الآخرة ، سواء ما ورد في كتاب الله عز وجل ومنه قوله تعالى (( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل )) وكذلك ما ورد في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أقوال وعلى سبيل المثال ما جاء بخطبة الوداع في قوله (( .. فإن دمائكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، ليبلغ الشاهد الغائب ….))
وبالبناء على ذلك فإن أي قانون يصادر حق الملكية أو يغل يد المالك عن استغلالها ــ لغير أغراض المصلحة العامة ــ أو يحول بينه وبين استردادها من مغتصبها أو يعطي للغير حق الاستيلاء عليها متسترا بعباءته يكون حتما مشوبا بعد المشروعية الدستورية لأن الأصل في النصوص القانونية أنها تعتبر وسائل يتدخل بها المشرع لتحقيق أغراض بذواتها ، فإن كانت تلك الأغراض غير مشروعة أصلا شاب تلك النصوص عيب المخالفة الدستورية .
لما كان ذلك وكان القانون رقم 25 لسنة 1423 ( 1993 ميلادية ) بشأن تعديل أحكام القانون رقم 11 لسنة 1992 بتقرير بعض الأحكام الخاصة بالملكية العقارية قد نص في مادته الثالثة المعدلة للمادة السابعة من القانون رقم 11 لسنة 1992 سالف الذكر على أنه (( لا يجوز للمحاكم أن تحكم برد المساكن المملكة أو المخصصة للمواطنين بموجب أحكام القانون رقم 4 لسنة 1978 المشار إليه وبوقف السير في نظر الدعاوى المتداولة أمامها وقت نفاذ هذا القانون )) كما اضاف نصا جديدا إلى القانون رقم 11 / 1992 تحت بند المادة السابعة مكرر ( أ ) حرى نصه : (( يحق لمالك البيت الوحيد أو قطعة الأرض المعدة لبناء مسكن عليها والذي ملك أو خصص بالمخالفة لأحكام القانون رقم 4 لسنة 1978 المشار إليه اللجوء إلى محكمة الشعب للمطالبة بتعويض عادل عنه وذلك بالشروط الآتية ….. وفي جميع الأحوال لا يجوز للمحكمة أن تحكم برد المسكن أو قطعة الأرض المشار إليها في هذه المادة ))
ومفاد ذلك أن المشرع بموجب أحكام القانون المطعون فيه بعدم الدستورية قد غل يد المحاكم عن النظر والقضاء برد العقارات المخصصة بموجب أحكام القانون رقم 4 لسنة 1978 إلى ملاكها الشرعيين مهما كانت الأسباب ولو كان تمليكها أو تخصيصها للغير تم بالمخالفة لأحكام القانون ، وقرر وقف السير وجوبا في نظر جميع الدعاوى المتداولة من تاريخ نفاذه ، وهو ما يمثل اعتداء صارخا على حق الملكية ومصادرة لها دون رضا صاحبها وعلى حق المالك من اللجوء إلى القضاء لحماية حقه ، خلافا لكافة النصوص والمواثيق الدستورية سالفة الذكر ، بما يكون معه القانون محل الطعن مشوبا بعيب المخالفة الدستورية ويتعين الحكم بعدم دستوريته
فلهذه الأسباب
حكمة المحكمة بقبول الطعن شكلا وبعدم دستورية القانون رقم 25 / 1423 ( 1993 ميلادية ) في شأن تعديل أحكام القانون رقم 11 لسنة 1992 ميلادية بتقرير بعض الأحكام الخاصة بالملكية العقارية وينشر الحكم في الجريدة الرسمية .
المستشار / يوسف مولود حنيش
المستشار / محمد إبراهيم الورفلي
المستشار / عزام علي الديب
المستشار / صالح عبدالقادر الصغير
المستشار / فوزي خليفة العابد
المستشار / عبدالسلام امحمد بحيح
المستشار / المبروك عبدالله الفاخري
المستشار / د/ سعد سالم العسبلي
المستشار / د/حميد محمد القماطي
المستشار / فرج أحمد معروف
المستشار / علي عمران التواتي
المستشار / د/ نور الدين على العكرمي
المستشار / بشير سعد الزياني
أمين سر الجلسة
أسامة علي المدهوني
ملاحظة : نطق بهذا القرار من الدائرة المشكلة من الأساتذة : كمال دهان رئيسا ـ يوسف الحنيش ـ محمد الورفلي ـ المقطوف إشكال ــ عزام الديب ـ صالح الصغير ـ فوزي العابد ــ عبد السلام بحيح ــ المبروك الفاخري ــ د / سعد العسبلي ــ د / حميد القماطي ــ فرج معروف ــ د / نور الدين العكرمي